الدراسة النقدية المستقطعة من إعداد عبدالرحمن الصوفي
عنوان الدراسة النقدية المستقطعة ( ديناميكية البنية السردية في قصيدة ( بيعت أحلامي ...) للشاعر ( أمينة سعيد ازداغن ) Amina Izeddaghen
================= ملاحظة ========================
عبدالرحمن الصوفي هو باحث في النقد الأدبي سلك الدكتوراه ، يشتغل بالمنهجية الذرائعية التطبيقية لمؤلفها عبدالرزاق عودة الغالبي وإلى جانبه سيد التطبيق عبير يحيى خالدي ...المنهجية تتألف من عدة مداخل علمية ، نستقطع مدخلا واحدا وندرس به نصا ...أعتذر للقراء إذا لاحظوا أني أصبحت أميل للنظري مع توضيحات قليلة على المستوى التطبيقي ، والسبب هو السرقة التي تتعرض لها دراساتنا النقدية على المستوى المنهجي من طرف هواة النقد الانشائي ....
==================تقديم ========================
يعتبر السرد عملية تواصل تتضمن قصا قابلا للنقل ، يترتب عنه وجود وقيام بناء زمني ، تتعاقب فيه أحداث ، بوصف الزمن تنظيما لمكونات قصة ، أو حكي وهو الذي يحدد العلاقات الزمنية الكرونولوجية وما ترتبط بها علاقات مكانية ، بين القصة والحكي من جهة وبين النص من جهة ثانية ، فالبنى القصصية تقدم خصائص متكررة على نحو لافت يمكن ملاحظتها من متلقي العمل في تواترات أو في اطردات مميزة تشيد نحوا قصصيا . لكن ينبغي التفريق بين المتن الحكائي والبنية السردية وهذه الأخيرة موجودة في الكثير من الأشعار العربية ، نذكر قصيدة الشاعر عبديغوث اليمني ، وفي عينية أبي دؤيل الهذلي وبعض قصائد السياب وغير هؤلاء والأمثلة كثيرة جدا ...
===================================== نص القصيدة =============
بيعت احلامي
سلب الشوق مني...
استولت الوحدة
على قلبي
بين جدران الاحزان
جمد الحب
و سكن بالاعماق
تاه عني صوتك
سجنت كرهينة
وراء قضبان العتاب
كرهت القيود
و ظلم الوعود
التي اخذت مني
شوقي المجروح
مللت الجفاء
فقذت الوفاء
و ددت ان اسمعك
السلم و السلام
بطرب الجمال
ككل ليلة سمراء
و سط حدائقي الغناء
العطرة بالفل و الكستناء
وانت تحدق
بمحياي
تحييني نظراتك
و تروي جمر الثنايا
بماء وديانك
آه يا شوق
لم اعد اقوى للهيام
ام يا ترى فاتني الغرام
و صرت اتمايل
بين حافة البكاء
و فج الحيرة و الدهاء
فكيف أطاوع نفسي
واستريح من هذا الشوق
المسلوب مني
كضالة في اعلى السماء
يلمني تارة
و يبعثرني اخرى
ارتجف و يتوه
بين اضلعي
ذاك الشوق
الضائع مني...
احلم أن اجتره
لكنه اجترني
و باع كل احلامي
في خفاء
بقلم / امينة سعيد ازداغن
في يومه 02 يونيو 2018 بالدار البيضاء
ينهض السرد بإبراز الاتساق والتتابع ، وهذا ما يظهر بوضوح في هذه القصيدة المعنونة ب ( بيعت أحلامي... ) للشاعرة أمينة سعيد أزداغن ، ، والبنية السردية هنا ليست متعددة الأصوات ، وإنما ذات صوت واحد ، هو صوت الراوي ( الذات/ الشاعرة ) ، أما المروي له فلا يملك حضورا مباشرا وقويا وواضحا في النص ، ولكنه موجود ، لأن المسرود له مثله كمثل السارد ، وهو أحد عناصر الوضع السردي الذي تميزت به القصيدة ، ويقع بالضرورة على المستوى القصصي نفسه ، أي أنه لا يلتبس قبليا بالقارئ ولو الضمني ، أكثر ما يلتبس السارد بالضرورة بالشاعرة ، ويقبل المنطق بقوة في البنية السردية ، حيث تبدو أدوات الربط المتواجدة في النص بوضوح وصول الرسالة الديناميكية للنص ، وتبدأ القصيدة بمبني للمجهول مما يرشح لوجود بنية حوارية مضمرة ( تداعي حر ) ، ويتوضح الأمر أكثر حين نتساءل ( من البائع ؟ من السالب ؟ من السجان ؟ ) ... ، تقول الشاعرة :
سلب الشوق مني ...
استولت الوحدة على قلبي
بين جدران الأحزان
جمد الحب
وسكن بالأعماق
تاه عني صوتك
سجنت كرهينة
تحمل البنية الزمنية ( المبني للمجهول ) نبرا عاليا ، يؤشر لتوتر حاد ، وهذا الاستفهام المضمر يحمل في طيات مضمونه المستثر إشارة بأن القصيدة تبدأ قبل بدايتها الملفوظة ، ويتضح ذلك من خلال خطاب للذات الساردة ( ياء المتكلم ) في العنوان ( بيعت أحلامي ...) ، وأنكرت الذات السارة الآخر / المجهول ، لتصبح الغاية التوجع والجزع من نوائب الزمن التي قد يكون الآخر المقابل للأنا سببا فيها . الاستفهام المضمر هو الصوت المغاير في النص ، وليس هناك ما يمنع أن يكون هذا الصوت هو صوت الذات الساردة نفسها عن طريقة المونولوج ، وهو تكنيك من تيكنيكات الرواية يستخدمه المؤلف في تقديم المحتوى الذهني للشخصية ... وقد نجحت الشاعرة في المونولوج من النوع الصامت ، الذي أصبحت فيه الذات الساردة تخاطب نفسها متوجعة متألمة ...
وراء قضبان العتاب
كرهت القيود
وظلم الوعود
التي أخذت مني
شوقي المجرور
مللت الجفاء
فقذت الوفاء
وددت أن أسمعك
السلم والسلام
يطرب الجمال
ككل ليلة سمراء
وسط حدائقي الغناء
العطرة بالفل والكستناء
وتبدو البنية الحوارية / الديالوج بوضوح من خلال حروف (هيكنا ) أي كاف المخاطب وياء المتكلم ، والغرض من وجودهما في النص التفاغل والاستجابة المتبدالة المكسرة ببنية الزمن المجهول .
أحادية الصوت داخل النص هي مونولوجية تكسر مركزية الصوت ، ونعني بمركزية الصوت تكريس صورة الصوت الواحد عبر الخطاب الشعري . الذات الساردة تخبرنا ضمنيا بحوار حدث ، ولا تنقله مباشرة ، فتيمة نقل الكلام ومناقشته من خلال الصوت الارتدادي خاصية يتمتع بها الإنسان دون غيره من الكائنات ، وعملية الارداد تقوم في النص على العودة إلى لحظة زمنية تنتمي الى الماضي ، وهذه اللحظة الزمنية الماضية لها ثقلها الضاغط على الذات الساردة ، والارتداد يقوم بعملية الربط بين الماضي والحاضر النصي ، وقد ساعد هذا الارتداد على كشف الوجع /الألم الذي يعتصر الذات الساردة ، حيث بدا الزمن في النص متوقفا في الماضي ولا يكاد يتحرك ناحية الحاضر أو المستقبل إلا قليلا.
تقول الشاعرة :
آه ياشوق
لم أعد أقوى للهيام
أم يا ترى فاتني الغرام
وصرت أتمايل
بين حافة البكاء
وضح الحيرة والدهاء
فكيف أطاوع نفسي
وأستريح من هذا الشوق
المسلوب مني
كضالة في أعلى السماء
وهكذا نلاحظ توالي عملية التداعي الحر عبر الزمان بطريقة عفوية ، كان لها أكبر الأثر في الكشف عما يعتمل داخل الذات الساردة ، امتداد زماني في لحظات يشتغرقها الحكي ، على اعتبار أن الكلام ليس تعبيرا نفعيا فقط وجماليا فحسب بل أيضا ضرورة فطرية فبه تتحقق إنسانية الإنسان .
======================عبدالرحمن الصوفي / المغرب =======
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق