إحك ياشهرزاد/ .10
خرج من إحدى الحانات وهو في حالة مفرطة تحت تأثير الكحول ..
امتطى سيارته الهامر وانطلق بها مسرعا إلى حال سبيله، وبعد تجاوزه الطرق الفرعية، داس بكل قوة على البنزين، خصوصا أن في هذا الوقت المتأخر من الليل يكون الطريق السيار شبه فارغ من حركة السير ,, مد يده للمقصورة الخلفية ليسحب الكأس، وإذا بالمقود ينحرف قليلا لترتطم المركبة بالحاجز الحديدي،فانعرجت عن مسارها في الاتجاه المعاكس، حيث اصطدمت بسيارة أخرى كانت تسير مسرعة في أقصى اليسار باتجاه مركز المدينة ,,
كان حادثا مروعا.. تضررت على إثره السيارة المقابلة بشكل كبير، ولم يخرج من داخل حطامها أحد، في حين مركبته أصابها طعج بسيط في الجانب الأيمن من الجهة الأمامية .. حرك محول السرعة إلى الخلف، والتف عبر منفذ عوارض الحاجز المحطم، باتجاه المخرج الفرعي, فارا من مكان الحادث عبر طريق آخر..
حين وصوله إلى مسكنه، ركن سيارته بالمرأب ، اتجه إلى الداخل وهو يحتسي ما تبقى من ثمالة القنينة، إلى أن ارتمى على السرير.
... في صباح اليوم التالي دخلت الشرطة لتوقظه بموجب أمر ضبط وإحضار، بتهمة الفرار من مكان الحادث..
حينها تيقن بعدما استفاق، أن الموضوع سوف يستغرق وقتا طويلا،راجيا أن يسمحوا له بوداع زوجته، وأن لا يضعوا القيد في يديه أمام ابنه الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، إلا أنهم أجابوه أنه لا أحد في المنزل غيره، وتلك القنينة الصفراء التي بجانب وسادة نومه..
لما أحضر إلى المكتب للاستماع إليه، كان الجميع ينظرون إليه، لا يعرفون كيف يبدأون، أو ماذا سيقولون.. فبادر ضابط التحقيق قائلا له :
_ السيارة التي اصطدمت بها البارحة، كانت تنقل زوجتك وابنك إلى المستشفى، رفقة جيرانك وقد لقي الجميع حتفه..
رحمهم الله جميعا..
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه /,,,,,,
كان وقع الخبر كالزلزال في كيانه، إلا أنه بدا جامدا لم يتفوه بأدنى كلمة..
وبعد أن أحيل خلال ساعات قليلة إلى النيابة العامة، كان طاقم من المحامين بانتظاره، معظمهم يعمل لدى شركاته الضخمة والمتعددة عبر العالم، في حقائبهم مبالغ نقدية هائلة قصد الإفراج عنه بكفالة لحين موعد المحاكمة،لكنه طلب من الجميع المغادرة وعدم التدخل في الموضوع نهائيا، ليتقرر أخيرا الأمر بترحيله إلى المنشأة العقابية على ذمة القضية.
خلال تلك الشهور القليلة التي مكث فيها بالسجن المركزي، كل النزلاء الذين صادفهم هناك، والمحتجزين بسبب مستحقات مالية، قضى ما عليهم للدائنين، ليفرج عنهم في حينه، أما الذين أوقفوا بسبب جنح متنوعة، حركت قضاياهم بأمر منه من طرف محاميه، وأتى أمر القضاء لغالبيتهم الاكتفاء بمدة العقوبة وإخلاء سبيلهم،أما الذين كانوا في انتظار حكم الإعدام والمؤبد، تم دفع مبالغ مالية ضخمة كديات مرضية لدى طالبي الحق، وأسقطت عنهم العقوبة ليفرج عنهم دون قيد أو شرط، ولم يبق معه في المنشأة سوى عدد قليل من المعتقلين لا يستطيع فعل شيء إزاءهم، بسب قضاياهم الأمنية المعقدة، لكن وساطته لهم لدى المعنيين وضمانته الجادة بإدماجهم في سوق العمل لدى شركاته، كان كافيا ليأتي الرد إيجابا، شرط توقيعهم إنذارا أخيرا بموجبه نالوا حريتهم وغادروا .. حتى حراس المنشأة لم يبخل عليهم في حل مشاكلهم المالية، لتتبدل سلوكاتهم بين عشية وضحاها بقدرة قادر من زبانية العذاب إلى ملائكة الرحمة..
حين جاء الأمر بإخلاء سبيله، لم يتردد أن يهب كل ما تبقى من ثروته الضخمة لوالدي زوجته وأبناء جاره، ثم غادر عن طريق المطار الدولي صوب المسجد الحرام ليعتكف قرب مقام سيد المرسلين...
خلال أيام معدودة، وردت برقية إلى المركز، مُرفَقة بكتاب، يفيد وفاة المذكور حيث أنه وجد في الحرم الشريف قد فارق الحياة وهو في حالة سجود لإبلاغ ذويه أو من يهمّه الأمر...
_كانت جموع غفيرة استقبلت جثمانه في المطار..
حيث قال قائل لصاحبه: الحمد لله الذي لم يجعل مفتاح الجنة بأيد أبي حنيفة,
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب
زين العابدين إبراهيم
الأحد، 3 يونيو 2018
احك ياشهرزاد/10
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق