الاثنين، 28 مايو 2018

احدك يا شهرزاد /5

إحك ياشهرزاد/ 5
بعد أن أنهى مهمته خارج المدينة ،عائدا إلى المركز على الخط السريع الرابط بين المدينتين،فوجئ بفتاة على قارعة الطريق تشيرإليه بالتوقف، لم يكن يتوقع أن تتواجد قاصر في هذه الساعة المتأخرة من الليل في هذه الأرض الخلاء - سيح - يبعد عن المدينة مئات الكيلومترات،أوقف السيارة واقترب منها، لاحظ بقعا من الدماء الغزيرة على ردائها الأبيض الشفاف، كانت تبلغ من العمر حوالي 12 سنة، لم تكن تتألم أو تشكو من شيء،سألها عن سبب تواجدها في هذا المكان، لم تنبس بأدنى كلمة،فتح لها الباب وصعدت إلى المقاعد الخلفية،ثم أمن الباب أوتوماتيكيا كي لا يفتح عنوة،فواصل طريقه باتجاه المقر،سألها أثناء الطريق عدة أسئلة، لكنها لم ترد على أي سؤال، وأعاد السؤال مرة ثانية:
_ ما اسمك؟
قالت:
ريم ....ريم ..... ريم ..كان صوتا حادا وقويا، رفع عينيه إلى المرآة ليراها، فلم ير من خلالها أحدا بالخلف، حاول التوقف ..أحس كأنه فقد السيطرة على المركبة ،فركنها جانب الطريق بصعوبة، لم يصدق أن الفتاة قد اختفت، أصابته الدهشة وكأنه كابوس أو خيال،لكن حين وصوله لم يخبر أحدا بموضوع لن يصدقه فيه عاقل،بل سوف يثير تساؤلات حوله،ويمكن أن يسبب له مشاكل وقلاقل...
رغم محاولته النسيان إلا أنّ صورة الصبية ظلت راسخة في مخيلته ، وليس من السهولة بما كان أن يتناسى رداءها الشفاف الأبيض المثخن بالدماء،ولا يمكن أن يبرح خاطره ذلك الصوت الحاد، كموجة كهربائية عارمة اخترقت نبض كيانه ، أجبرته أن يسأل نفسه مئات المرات :
من هي ريم يا ترى؟ لذلك التزم مكتبه أمام الحاسوب، وشرع يبحث في بلاغات التغيب، وإذا به يعثر على ضالته مدرجة ضمن قائمة المطلوبين، وصورتها الحقيقية مثبتة على صدر بلاغ بتهمة الفرار من المنزل قبل شهر،إلا أنّ نتيجة البحث والتحري خلصت ردا على الشروح ،أنه قد تعذر إحضار المذكورة بحيث لا تتوفر معلومات عن مكان تواجدها ..
لم يكن من الصعوبة بالنسبة إليه أن يبدأ مما انتهى إليه زملاؤه، حيث أنه توصل إلى أنّ الفتاة كانت تمتلك هاتفا خلويا، وبعد اطلاعه على كشف المكالمات الواردة تبين أنّ آخر اتصال كان من رقم يعود لأبيها الذي هو المبلّغ باختفائها، حينها تيقن أنّ الموضوع يجب التحقيق في ملابساته من جديد، فاستدعى والدة المتغيبة.
وفتح المحضر في ساعته وتاريخه،تحت إشراف النقيب .../
والرقيب مباحث.../
وبحضور الرائد... عن الشرطة النسائية
اسمك وسنك وهويتك؟
.....
أتعرفين هذه الصورة؟
انخرطت في البكاء والنحيب ثم قالت :
بنيتي .. بنيتي لكنها لم تقل أين هي؟أو هل وجدتموها؟طالما هذا هو السؤال الطبيعي بخصوص فتاة متغيبة لذلك تمت مساءلتها بطريقة مغايرة واستفزازية:
إننا نعلم كل شيء عن الفتاة من الأفضل أن تقولي الحقيقة قبل أن تتهمي بالإدلاء بمعلومات كاذبة وتضليل العدالة:
حسبي الله عليه ... حسبي الله عليه
من تقصدين ؟
.. أبوها هو السبب وأنا ماني عارفة شو أسوي ...ثم أجهشت ببكاء مرير يستحيل معه مواصلة التحقيق.
ولهذه الأسباب صدر الأمر بضبط وإحضار المعني بالأمر لسماع إفادته.
لما أحضر إلى المكتب ،يُفاجَأ بصورة له وقد ثبّتت عمدا على الحائط حيث كان يحمل فيها ابنته ريم بين ذراعيه وهي سعيدة بدميتها العروس،وكان حينها في غاية السعادة والفرح... لم يتمالك الرجل نفسه حتى انهار باكيا متحسرا قائلا دون أن يسأله أحد:
ليتني مافعلت ... ياربي ياربي
وانهار على الأريكة نادما على ما أقدم عليه من فعل فظيع يندى له الجبين، حيث أفاد:
أنه تلقى رسالة من مجهول يخبره فيها أن صورة ابنته متداولة على شبكة التواصل الاجتماعي وهي في أوضاع مخلة.. وقد تضمنت الرسالة الرابط لتلك المواقع، لما اطلع عليها استشاط غضبا ،واقتاد ابنته قسرا في سيارته إلى تلك الأرض الخلاء ، حيث قام بتصفيتها رغم استنجادها بأمها،رغم صراخها المتكرر أنها بريئة،لم يصغ لنداء قلبه أوحرقة فؤاده بل صم أذنيه عن أي استجداء،ونفذ جريمته معتقدا أنه ردُّ اعتبارٍ لشرفه ،ثم قام بفتح بلاغ تغيب ليضلل به العدالة عما اقترفه ضد فلذة كبده.
وكانت المفاجأة بالنسبة له ،أنه قد تم التعرف على صاحب الرسالة المزعومة وإحضاره..
كان حدثا يبلغ من العمر 15 سنه ،إنه ابن جاره بالجنب، الذي أقر بأنه هو من قام بفبركة تلك الصور ونشرها نكاية بالفتاة، كونها رفضت الخضوع لرغباته ونزواته..
بعد جلب جثمان المجني عليها بدلالة المتهم،وإحالته للطب الشرعي وقد تم توقيف المذكوريْن حسب مقررات النيابة صدر حكم القضاء بحقهما يفيد:
بالسجن 20سنة نافذة بالنسبة للأب، وتبرئة الحدث مما نسب إليه من تهم، كونه أنكر ما جاء في أقواله بالضبطية القضائية ،وليس هناك دليل مادي ملموس تطمئن له هيئة القضاء لإدانته ..
ولهذه الأسباب تم الأمر بالإفراج عنه إن لم يكن مطلوبا على ذمة قضية أخرى..
بعد فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر تم الإبلاغ عن اختفاء الحدث لجهة غير معلومة ومازال البحث والتحري جاريا بشأنه
ومازالت شهرزاد تنتظر الجواب
زبن العابدين إبراهيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق